دلالة مفهومي الطبيعة والثقافة والفرق بين الثقافة والحضارة

دلالة مفهومي الطبيعة والثقافة والفرق بين الثقافة والحضارة

دلالة مفهومي الطبيعة والثقافة والفرق بين الثقافة والحضارة

التمييز بين الطبيعة والثقافة كتاب في رحاب الفلسفة للجدع المشترك علمي
الطبيعة والثقافة


إن علاقة الطبيعة بالثقافة لها أهمية بالغة في الدراسات الإبستمولوجية والإنسانية المعاصرة بمختلف مجالاتها، لكونها تثير العديد من الإشكالات المتداخلة والمتشابكة والمعقدة، والتي يمكن التعبير عنها بالتساؤلات التالية: ما الذي يميز الطبيعي عن الثقافي؟ وكيف يمكن الحديث عن الطبيعة الإنسانية وعن القوانين المتحكمة فيها؟ وهل هناك عناصر ثابتة وطبيعية في الإنسان أم أنه دائم التطور والتغير؟ وما الفرق بين الحيوان والإنسان؟ وكيف انتقل الإنسان من الوضع الحيواني؟ وهل يمكن أن نميز بين الثقافي والطبيعي في الإنسان؟ وهل هناك فرق جدري بين مظاهر الوعي البشري الأولى (السحر الأسطورة) وبين تفكير الإنسان المتحضر؟، قبل الإجابة على هذه التساؤلات سنحاول الوقوف أولا عند دلالة مفهومي الطبيعة والثقافة.

محتويات الموضوع

  1. دلالة مفهومي الطبيعة والثقافة والفرق بين الثقافة والحضارة.
  2. الدلالة العامية لمفهوم الطبيعة.
  3. الدلالة اللغوية لمفهوم الطبيعة.
  4. ما المقصود بالثقافة؟.
  5. الفرق بين الثقافة والحضارة.

الدلالة العامية لمفهوم الطبيعة

يعتبر مصطلح "الطبيعة La nature " مصطلحا أكثر شيوعا في حياتنا اليومية، إلا أنه يحتل مكانا مرموقا في المجال الفلسفي، فمصطلح الطبيعة إلى جانب باقي المصطلحات التي ما إن نصادفها في المجال الفلسفي إلا ونجد الفلسفة تسعى إلى تنقيتها وتطهيرها من كل الدلالات والمعاني الغامضة المحيطة بها، إلا أنه ليس تطهيرا مطلق كما قد يعتقد، بل يبقى جوهر دلالتها الذي يمثل أساسا لدلالات فلسفية خاصة، ولكي نتمكن من إدراك المقصود التام لكلمة الطبيعة، سنحاول الوقوف عند الدلالات الآتية:

  • يحيل لفظ الطبيعة على الكائنات الحية عامة والجبال والمعادن والغابات... يحيل على الكون في كليته، بمعنى على كل موجود لا يحتاج إلى صناعة، وبالتالي فالطبيعة بهذا المعنى تعارض الصناعة.
  • الطبيعة تقابل الاصطناع، وذلك عندما نوظف لفظ الطبيعة لكي نصف الأشياء بأنها طبيعية، "كأن نقول هذا المنتوج طبيعي"، "هذا إنسان طبيعي".
  • تدل الطبيعة على الأساس الفيزيولوجي والنفسي للإنسان، بمعنى دوافعه وانفعالاته ... التي تمثل عنصرا ثابتا فيه، وخاصية أساسية ملازمة له، كأن نقول، "أن طبيعة هذا الفرد شريرة، طبيعة النار الحرارة والحرق....

انطلاقا من هذا يمكن أن نقف عند معنيان للفظ الطبيعة، معنى مادي وآخر مجرد، وهو معنيان لا ينفي أحدهما الآخر بل يستعملان في الآن نفسه، لأنهما يكملان بعضهما البعض، فمثلا إذا تحدثنا عن طبيعة النار، فإننا نتحدث عن الخصائص الثابتة  للنار (معنى مجرد)، وعن النار كوجود مادي (المعنى المادي).

شاهد أيضا


الدلالة اللغوية لمفهوم الطبيعة

إن مفهوم الطبيعة يكتسي من الناحية اللغوية معنى خاصا، سواء على مستوى المعاجم العربية أو الفرنسية، فابن منظور في "لسان العرب"، يعرف الطبيعة بمعنى الخليقة والسجية التي جبل عليها الإنسان، بمعنى أن الطبيعة هي كل ما ولد عليه الإنسان، بمعنى كل ما هو فطري وثابت فيه، فطبيعة الإنسان هي مزاجه الذي يمثل أساس تكوين شخصيته الثابتة.

"إن كل ماهية تسمى طبيعة، والطبيعة الأولى هي الماهية"، هذا هو التعريف الفلسفي الذي يقدمه الفيلسوف اليوناني أرسطو للطبيعة، وتحيل الماهية على الخصائص الثابتة والمميزة للشيء بحيث تمثل أساسا لوجوده، والتي لا يمكن أن تتأثر بتغير الظروف والأوضاع، في مقابل ما هو عرضي في الشيء، بمعنى الصفات الخارجية المتغيرة فيه، فطبيعة الماء H2O مثلا هي ذرتين من الهدروجين وذرة من الأوكسجين، كخصائص ثابتة فيه، لكن الرائحة والطعم واللون هي خصائص متغيرة، والطبيعة بوصفها ماهية عند أرسطو، "هي مبدأ وعلة لحركة وسكون كل شيء، علة تكمن فيه مباشرة بالماهية لا بالعرض"، وبذلك فهو يميز بين نوعين من الموجودات:

  1.  موجودات توجد بالطبيعة: وهي موجودات تحمل مبدأ حركتها وسكونها في ذاتها، دون تدخل خارجي (إنساني)، من قبيل الحركة في المكان والنمو والموت، فالحيوان والنبات والتراب والماء والهواء والنار، توجد بالطبيعة.
  2. موجودات توجد بوجود غيرها: بمعنى تلك التي توجد بأسباب وعلل أخرى خارجية موجودة فيها بالعرض (عرضية)، فالسرير والمعطف والكتاب... وغيرها، إنما هي موجودة بالصناعة من مادة ما، ولا تحمل حركة ذاتية.

إن الكلمة الفرنسية Nature المشتقة من اللفظ اللاتيني Natura، تحيل من ناحية الاشتقاق اللغوي على النشوء والولادة،  وهو نفسه المعنى الذي يحمله اللفظ الإغريقي (الفيزيس Phusis)، الذي يدل على الطبيعة عند اليونان، بمعنى قوة النمو الكامنة في كل الموجودات والمولدة لها. 

بعد تطور العلوم الحديثة (ق 17و 18)، أصبح لفظ الطبيعة يطلق على مجموع القوانين المتحكمة في العالم المادي، لذلك يقول كانط "إن الطبيعة هي وجود أشياء من حيث هو وجود يتحدد بقوانين كونية"، أما على مستوى الإنسان، "فالطبيعة هي كل ما يوجد فينا بحكم الإرث البيولوجي" كما يقول كلود ليفي ستراوس.

إن الطبيعة إذن هي ذلك الواقع المادي الخاضع لقوانين ثابتة محكومة بفعل الضرورة، لذلك فهي قوانين تتكرر باستمرار، والإنسان كعضوية خاضعة للضرورة البيولوجية، لا ينفصل عن هذا المعنى لمفهوم الطبيعة، لكن عندما يحيل مفهوم الطبيعة على الخصائص والمميزات الثابتة في الانسان والمكونة له (بغض النظر عن الوجود الاجتماعي)، يقترن حينها الإنسان بالطبيعة.

عندما يتمكن الإنسان من الوعي بالقوانين المتحكمة في الظواهر الطبيعية، فإنه يعي الضرورة التي يخضع لها العالم، وفي نفس الوقت يقف عند ما يبدو على السلوك الإنساني من استثناءات، فملاحظة بسيطة في السلوك الإنساني تدفعنا لطرح التساؤلات التالية: هل يمكن اعتبار التداوي أمر طبيعي إذا كان المرض كذلك؟ وهل العيش داخل مجتمع منظم شيء طبيعي؟ أم أن ذلك سلوك معاكس لاتجاه سير الطبيعة؟.


ما المقصود بالثقافة؟

عادة ما ينظر للثقافة La Culture كمقابل للطبيعة، ويشير مفهوم الثقافة في الدلالة اليومية إلى المعرفة بكل الإنتاجات الفكرية، (الفنون، الآداب، العلوم...)، وهو ما نطلق عليه الثقافة العالمة أو العليا، إن هذا المعنى اليومي لمفهوم الثقافة ليس عادلا في الحكم على الأفراد والجماعات، فنقول هذا شخص مثقف وآخر غير مثقف، مجتمعات لها ثقافة وأخرى لا تملكها، وبالتالي فهذا تصور ضيق ومحدود لمفهوم الثقافة.

أما من الناحية اللغوية، فقد جاء في لسان العرب، "ثقف الرجل ثقافة، أي صار حاذقا فطنا، وثقف الرمح بمعنى سواه"، ويوكد معجم المعتمد، على الطابع التعليمي للثقافة، فيقول "ثقف الولد، بمعنى علمه وهذبه"، وبالتالي فالثقافة في دلالتها اللغوية العربية هي تعليم وتهديب وتربية وتعليم وفطنة، في مقابل الغباء واتباع الغرائز والاندفاعات، وهو نفسه المعنى الذي نجده في المعاجم الفرنسية، فكلمة Culture، مشتقة من من الكلمة اللاتينية Colére ومعناها زرع الأرض ونماها Cultiver La terre، وهو المعنى الذي ظل سائدا إلى حدود ق 15م.

ابتداءا من ق 15م، إلى حدود ق 19م، أصبح لمفهوم الثقافة معنى مجازيا، يحيل على تربية البدن وتربية الفكر، La Culture de L'esprit و La Culture Physique، بمعنى تنمية القدرات الجسمية والعقلية للإنسان، لكن بداية من أواخر القرن 19م، أصبح مفهوم الثقافة يأخذ المعنى السائد حاليا في مجال الأنتروبولوجية، فالثقافة كما عرفها البريطاني إدوارد تايلور "هي ذلك المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد، والفن والأخلاق، والقانون والعرف وكل المهارات والعادات الأخرى، التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في المجتمع".

وهكذا، فالثقافة انطلاقا مما سبق، هي ذلك الكل المتكامل من القيم والمعايير والتصورات والمعتقدات والرموز والأعراف والتقاليد التي يتداولها الناس جماعيا، وتتوارثها الأجيال بصفة منتظمة، بواسطتها يتم تهذيب سلوك الأفراد وتربيتهم على القيم التي تلائم متطلبات مجموعة بشرية معينة، فمادام الإنسان منتج للثقافة فهي صفته التي تميزه عن باقي الكائنات الأخرى، إلا أنه كذلك نتاج لها، فما يشكل هوية وخصوصية الانسان كفرد داخل جماعة، هو الثقافة السائدة في مجتمعه، فهي أساس تشكل جل مناحي شخصيته، سواء تعلق الأمر بالجوانب النفسية أو السلوكات الخارجية أو المواقف المتخذة، وعلى هذا الأساس ينعت الإنسان بالكائن الثقافي.


الفرق بين الثقافة والحضارة

عادة ما يختلط مفهوم الثقافة Culture بمفهوم الحضارة Civilisation، إلا ان هناك فرق بين المفهومين، فالثقافة تحيل على مجموع المؤسسات الخاصة، والتي تعبر عامة على التفكير الروحي للإنسان، فالثقافة تشمل مجمل إنتاجات الإنسان الفكرية، بما فيها الفلسفة والعلوم والآداب...، أما الحضارة فهي تشمل الإنتاج المادي المتمثل في وسائل الإنتاج والتقنية، فالتقنية تؤسس جسد الحضارة بينما الثقافة تمثل روحها.

اقرأ المزيد


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-