المحور الرابع: الفلسفة والقيم: تحليل نص "من أجل سلام دائم"
الفلسفة والقيم |
نقدم ضمن هذا المقال تحضير شامل لمحور الفلسفة والقيم جدع مشترك علمي وأدبي، والذي اشتغلنا عليه في جزئين، ففي هذا الجزء سنتوقف فقط عن تحليل وتحضير نص إيمانويل كانط من أجل سلام دائم ص 57 (اطلع على النص من هنا)، والذي يمثل تحضير أسئلة الفهم المرتبطة بالنص، والموجودة في كتاب في رحاب الفلسفة ص 58، وفي جزء لاحق ستجدون تحليل وتحضير نص مستقبل الفلسفة ص 58 لإريك فايل من كتاب في رحاب الفلسفة (تحضير نص مستقبل الفلسفة من هنا)، وسيمثل تتمة للتحليل الشامل للمحور الرابع الفلسفة والقيم، وستجدون ضمنه استنتاج عام للمحور، وللإشارة أن هذا التحليل لا يغني عن الدروس التي يقدمها الأستاذ في القسم.
محتويات الموضوع
- المحور الرابع: الفلسفة والقيم: تحليل شامل لنص من أجل سلام دائم.
- تقديم عام لمحور الفلسفة والقيم.
- تحضير نص من أجل سلام دائم ص57.
- البنية المفاهيمية لنص كانط.
- تحليل أفكار نص من أجل سلام دائم.
- إشكال نص إيمانويل كانط ص57.
- إطروحة نص من أجل سلام دائم ص57.
- البنية الحجاجية لنص كانط.
تقديم عام لمحور الفلسفة والقيم
إن الانسان يعيش داخل عالم مليء بالحروب والصراعات والقتل، حيث أصبح الانسان يتفنن ويبدع في طرق التعذيب والقتل، وهذا ما يبرز طابعه الشرير، لهذا تتحمل الفلسفة مسؤولية ترويض نزعته الشريرة، وبالتالي، مهمة الفيلسوف هي خلق قيم إنسانية كونية، يمثل العقل والواجب الأخلاقي أهم مبادئها، لذلك كان مبحث القيم Axiologie أحد المباحث الكبرى للفلسفة، (إلى جانب مبحث الوجود Ontologie مبحث يهتم بالبحث في الوجود وأصله، ثم مبحث المعرفة Epistemologie يبحث في أدوات المعرفة وحدودها وقيمتها)، لهذا كانت الفلسفة منذ سقراط تبحث في قيم الخير والجمال والحق العدالة ... كقيم إنسانية كبرى.
انطلاقا من ذلك، فليست الفلسفة مجرد خطاب تجريدي يفكر في القضايا والمواضيع الميتافيزيقيا، كما هو سائد حولها، بل هي تفكير تأملي ينخرط عبره الفيلسوف في القضايا والموضوعات الاجتماعية، والأخلاقية، والدينية، والسياسية...، إذن ما هي القيم التي تدعو إليها الفلسفة وتدافع عنها؟ وما دور الفيلسوف داخل المحيط الذي يعيش فيه؟ وأي مستقبل للفلسفة؟.
تحضير نص "من أجل سلام دائم" ص 57
يعود نص "من أجل سلام دائم" (إقرأ النص من هنا) إلى صاحبه إيمانويل كانط، وهو فيلسوف ألماني ولد سنة 1742م، وتوفي سنة 1804م، وهو من أهم وأبرز فلاسفة القرن 18م، وتعرف فلسفته بالفلسفة النقدية، والتي تجسدت من خلال ثلاث كتب أساسية وهي "نقد العقل الخالص"، ثم "نقد ملكة الحكم"، و"نقد العقل العملي"، وله كتب ومؤلفات أخرى من قبيل "نحو سلام دائم"، "تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق" وغيرها.
شاهد أيضا
البنية المفاهيمية لنص كانط
استخدم إيمانويل كانط العديد من المفاهيم الفلسفية هذا النص، والتي شكلت لبنات أساسية لكتابة "من أجل سلام دائم"، ويمكن أن نذكر منها المفاهيم المركزية التالية: أولها مفهوم الدولة، فالدولة هي مجموعة من المؤسسات (قضائية، سياسية، عسكرية...) تتمتع بسلطة لتنظم علاقات الأفراد داخل رقعة جغرافية معينة، ثم مفهوم السلام، ويحيل على حالة الهدنة والوئام والتعايش بين الأفراد أو الجماعات، بمعنى غياب العنف بينها، ثم مفهوم الحرب، الذي يحيل على وضع يغيب فيه الاستقرار ويعم فيه الصراع بين مجموعتين منظمتين ومسلحتين يترتب عنها الدمار والخراب.
أما المقصود بحرب الإبادة هو الهجوم الذي تقوم به جماعة معينة على أخرى بهدف التصفية النهائية، وتكون دوفعا عرقية أو دينية، ثم هناك مفهوم حالة الطبيعة، وهي مجرد حالة افتراضية لجأ إليها فلاسفة العقد الاجتماعي لتفسير تنظيم المجتمع ونشأة الدولة، وذلك بلجوء الأفراد إلى التعاقد الاجتماعي، أما الحرب التأديبية، فهي عبارة عن هجوم من طرف دولة أو جماعة قوية لأسباب سياسية أو استراتيجية أو اقتصادية، على دولة أو جماعة أخرى قد تكون أضعف.
تحليل أفكار نص من أجل سلام دائم
إن نص من أجل سلام دائم يسعى إلى إبراز أهمية السلام كقيمة كونية في مقابل الحرب، لذلك وظف صاحب النص مجموعة من الأفكار التي شكلت هذا النص، من أبرزها:
عندما توقف كانط في النص عند مفهوم الحرب، فهو يريد أن يبرز بأنها صفة مواكبة لتاريخ البشرية، ذلك بسبب الطبيعة الشريرة للإنسان، لذلك اعتبرها وسيلة بائسة للدفاع عن الحقوق بالقوة والعنف، والسبب وراء هذا هو السعي خلف إشباع الرغبات على حساب الآخرين، مما يعني أن الحرب مدفوعة بالإرادة الشريرة للإنسان، لكن كانط يرى بأنه ليس هناك أي مبرر للحرب مهما كانت الظروف والأسباب.
إن الدافع إلى السلام في نظر كانط هو الإرادة الخيرة والطيبة في الإنسان، والتي يمكن أن نلمسها في الثقة المتبادلة بين الجماعات والشعوب، وهي ثقة تقوم على مبادئ أخلاقية، تتجلى في الدفاع عن السلم والسلام، فغياب الثقة هو السبب في الحرب، ومادام واجبا علينا منع أسباب الحرب، فينبغي الثقة في العدو أثناء الحرب.
إذا كانت الحرب هي انتهاك شروط السلام، فإن السلام هو تبادل الثقة بين الشعوب والجماعات، وإذا كانت الحرب وسيلة بائسة ترتبط بحالة الطبيعة، ومن الممكن أن تتحول إلى حرب الابادة، فالسلام صفة حضارية تحيل على حالة التمدن، باختصار بالحرب تقوم على حق القوة أما السلام فيقوم على قوة الحق والقانون.
إن الالتزام بالدفاع عن السلام هو التزام بالدفاع عن الانسانية، فهذه هي القاعدة الأخلاقية التي يقوم عليها السلام كقيمة إنسانية كونية، ومن هنا يتضح موقف الفيلسوف من القيم الانسانية ودوره في ترسيخها، من خلال الدفاع عن الانسان كإنسان، والتأمل في واقعه المعيش، بل كفاعل في تكريس القيم الانسانية الكونية عن طريق تربية العقول على مساءلة ونقد القيم السائدة، وهكذا فالفلسفة تدافع عن السلم والعدل وتدين القوة والعنف.
يدافع كانط من خلال كتابه نحو سلام دائم، على أن تاريخ البشرية يسر نحو انتصار قوى الخير على الشر، بمعنى أنه تاريخ يتجه نحو الأفضل، وبالتالي يرى أن المر والخداع ليس فعلا مشروعا حتى في ظروف الحرب، ولقد كان للفكر الكانطي تأثير كبير على الرئيس الأمريكي ولسون الذي كان له فضل كبير في إنشاء عصبة الأمم المتحدة سنة 1919م، مما يعني أنها نتاج الفكر الكانطي الذي كان يرى بأن الحرب ليست أمرا حتميا وضروريا، بل يمكن تجنبه وتجاوزه، وبالتالي كان يدعو إلى تأسيس هيئة دولية للدفاع عن السلام العالمي، فكانت عصبة الأمم في القرن العشرين، وهكذا ففلسفة كانط الأخلاقية لا تنفصل عن دعوته إلى السلام الدائم.
إشكال نص إيمانويل كانط ص 57
إن كانط من خلال نصه "من أجل سلام دائم"، يحاول الإجابة على إشكالية مركزية تتعلق بالقيم الإنسانية التي تدافع عنها الفلسفة، وهي إشكالية يمكن التعبير عنها بالصيغة الاستفهامية التالية: ما هي سبل تحقيق السلام كقيمة إنسانية تدافع عنها الفلسفة؟، إن هذا التساؤل هو ما يحاول النص الإجابة عنه من خلال حديثه عن الحرب والسلام.
أطروحة نص من أجل سلام دائم ص 57
إن الحرب في نظر صاحب النص لا تتمتع بأية مشروعية، فهي صفة تخص حالة الطبيعة، لذلك يندد بكل أشكالها وأنواعها سواء كانت تأديبية أو إبادية، وذلك بهدف إحلال السلم والسلام كقيمة إنسانية كونية، لكن السبيل إلى ذلك رهين بمجموعة من الحيثيات، منها: الثقة المتبادلة بين الدول المتحاربة، ومنع كل الوسائل التي من شأنها أن تؤدي إلى الحرب، بمعنى ينبغي استئصال الحرب من قاموس السلوك الإنساني، فالسلام الدائم هو الذي من شأنه أن يمنح الوجود الانساني معنى ويعلي من قيمته.
البنية الحجاجية لنص كانط
إن بناء هذا النص من طرف الألماني إيمانويل كانط، تم من خلال اعتماد خطة حجاجية بهدف إقناع القارئ بفكرة السلام الدائم بدل الحرب، وقد وظف في ذلك العديد من الأساليب الحجاجية، والتي نذكر منها: أسلوب النفي: وهو ما نستشفه في أكثر من عبارة داخل النص (لا ...)، وينفي إمكانية اللجوء إلى وسائل في الحرب تفقد الثقة بين الأطراف المتحاربة، وليوضح ذلك تحدث عن داسي السموم والسفاحين...، كأمثلة (أسلوب المثال) على السبل والطرق التي من شأنها أن تفقد الثقة بين المتحاربين، وفي نفس السياق يلجأ إلى أسلوب التأكيد (لا بد أن...)، لتأكيده على ضرورة التحلي بالثقة لأنها السبيل إلى إحلال السلام الدائم.
إضافة إلى ذلك وظف كانط أسلوب التعريف وهو عندما عرف الحرب ووصفها بالوسيلة البائسة، وهو تعريف يبين من خلاله الطابع القدحي للحرب، وفي الأخير يستنتج (أسلوب الاستنتاج) أنه يجب منع الحروب والوسائل التي تؤدي إليها، كسبيل لإحلال السلام الدائم.
اقرأ المزيد