تحليل شامل لمحور أساس المجتمع: نص روسو، ونص ابن خلدون

تحليل شامل لمحور أساس المجتمع: نص روسو، ونص ابن خلدون

تحليل شامل لمحور أساس المجتمع: روسو، ابن خلدون 

تحليل شامل لنص جون جاك روسو وتحليل لنص ابن خلدون ضمن مفهوم المجتمع محور أساس الاجتماع البشري
أساس الاجتماع البشري




نسعى من خلال هذا، إلى تقديم تحليل شامل لمحور أساس المجتمع أولى بكالويا في رحاب الفلسفة، وذلك من خلال تحليل نص جون جاك روسو المجتمع تعاقد، ثم تحليل نص عبد الرحمان بن خلدون، وهما نصان يعالجان إشكالا محوريا يتعلق بأساس المجتمع، والذي يمكن صياغته كالآتي: ما هو أساس الاجتماع البشري؟، وبعد تحليلنا لهذين النصين توقفنا عند مناقشتهما من خلال استحضار مواقف فلسفية أخرى تعالج نفس الاشكالية، من قبيل تصور الفارابي حول أساس المجتمع، ثم تصور طوماس هوبس حول المجتمع، وكذلك تصور جون لوك حول أساس الاجتماع البشري.

محتويات الموضوع

  1. تحليل شامل لمحور أساس المجتمع: نص روسو، ونص ابن خلدون.
  2. مدخل عام لمحور أساس الاجتماع البشري.
  3. تحليل نص جون جاك روسو المجتمع تعاقد ص 46.
  4. البنية المفاهيمية لنص جون جاك روسو.
  5. أطروحة نص جون جاك روسو.
  6. شرح وتوضيح أطروحة جون جاك روسو.
  7. البنية الحجاجية لنص جون جاك روسو.
  8. تحليل شامل لنص ابن خلدون ص 47.
  9. أطروحة ابن خلدون حول أساس المجتمع.
  10. شرح أفكار وحجاج نص ابن خلدون.
  11. مناقشة تصوري ابن خلدون وجون جاك روسو.
  12. الفارابي واساس المجتمع.
  13. طوماس هوبس وأساس الاجتماع البشري.
  14. جون لوك والانتقال إلى حالة الطبيعة.
  15. تلخيص لأساس الاجتماع البشري.

مدخل عام لمحور أساس الإجتماع البشري

إن المجتمع La Société، حسب معجم لالاند الفلسفي، يحيل على مجموعة من الأفراد تجمع بينهم علاقات منظمة ومصالح متبادلة، ومن هنا يبدو أن العلاقة بين افراد المجتمع الواحد هي علاقات منظمة وفق ضوابط وقواعد يلتزم بها الأفراد، وهي ليست علاقات عابرة ناشئة عن تجمع طارئ بين الأفراد، كتجمعهم مثلا على شاطئ البحر، أو على حادث معين، ... فمثل هذه التجمعات لا يمكن أن تؤسس مجتمعا، لأن كل فرد من هؤلاء يسعى إلى إشباع حاجات واهتمامته بمفرده، لكن بمجرد ما يبدؤوا في تقديم المساعدات لبعضهم البعض، حينها نكون أمام بداية شرط من شروط تأسيس المجتمع، وهذا الشرط هو شبكة  العلاقات المتبادلة بين الأفراد، علاقات تقوم على التأثير والتأثر، وبالتالي: على أي أساس يقوم المجتمع البشري؟ هل يرتبط بما هو فطري طبيعي أم يرتبط بإرادة الإنسان في التعايش مع أخيه الإنسان وفق قوانين مشاركة؟.

شاهد أيضا


تحليل نص جون جاك روسو "المجتمع تعاقد" ص 46

يعود النص (اقرأ النص من هنا) موضوع التحليل إلى صاحبه جون جاك روسو، وهو فيلسوف ومفكر فرنسي، ولد سنة 1712م، وتوفي سنة 1778م، وهو من أتباع حركة التنوير، اشتهر كفيلسوف وكعالم اجتماع وعالم جمال، كما أنه أحد المنظرين البارزين في علوم التربية، وقد عرف بفكرة العقد الاجتماعي كأساس للمجتمع والدولة،  من أبرز أعماله: العقد الاجتماعي، في أصل وأسس التفاوت بين الناس.


البنية المفاهيمية لنص جون جاك روسو

إن مضمون نص المجتمع والتعاقد تم بناؤه من طرف جون جاك روسو استنادا إلى العديد من المفاهيم الفلسفية، من أبرزها مفهوم حالة الطبيعة، وهي مجرد حالة افتراضية اعتمدها فلاسفة العقد الإجتماعي لتفسير نشأة المجتمع والدولة، وتتسم هذه الحالة بتمتع الأفراد بحريتهم المطلقة، أما المفهوم الثاني فهو مفهوم الحالة المدنية، وهي حالة المجتمع التي أصبح فيها الانسان، بعد خروجه من حالة الطبيعة، يعيش تنظيما سياسيا واجتماعيا، احتكاما لقوانين تعاقدية تقنن سلوكهم وتحد من حريتهم المطلقة.

أما المفهوم الثالث فهو مفهوم العقد الإجتماعي، وهو عبارة عن اتفاق بين الأفراد خرجوا بموجبه من حالة الطبيعة نحو الحالة المدنية، وتختلف طبيعة هذا التعاقد من فيلسوف لآخر، إضافة إلى ذلك، هناك مفهوم الحرية، والتي تعني استقلالية الفرد على مستوى التفكير والتصرف، بمعنى تصرف الفرد وفق إرادته في غياب تام للقيود، والنص يميز بين نوعين من الحرية، وهي الحرية المطلقة الطبيعية التي تغيب فيها القيود، والحرية المدنية المقيدة بقوانين المجتمع.


أطروحة نص جون جاك روسو

أرجع جون جاك روسو نشأة المجتمع والسلطة السياسية إلى التعاقد بين أفراد المجتمع، وذلك بتنازل الناس عن جزء من حقوقهم (الحرية، الملكية،...) لسلطة الدولة والمجتمع، وهكذا أصبحت نظرية التعاقد الاجتماعي (سيادة الشعب، المساواة أمام القانون...) هي جوهر التصور الحديث للمجتمع، فالاجتماع البشري حسب تصور روسو ليس نتاج ميول طبيعية بل هو نتاج تعاقد إرادي بين الأفراد.


شرح وتوضيح أطروحة جون جاك روسو

يرى جون جاك روسو أن الانسان كائن خير بطبعه،لذلك كانت السعادة هي سمة المرحلة الأولى من حالة الطبيعة، فقد كانت هذه المرحلة تسود فيها الحرية والعدالة، لكن بعد ظهور الملكية الفردية التي كانت سببا مباشرا في إحداث تفاوتات في الثروة بين الناس، ذلك ما أدى إلى ظهور الصراع والحروب والقتال حول الثروة، وبالتالي للخروج من هذا الصراع كان لابد من اللجوء إلى التعاقد الاجتماعي، بموجب هذا الأخير سينتقل الإنسان إلى الحالة المدنية حالة المجتمع والدولة، وذلك عبر التنازل عن بعض الحقوق الطبيعية للأفراد (الحرية المطلقة)، من أجل التمتع بالحقوق المدنية كالحرية المدنية...، وهو تنازل لصالح الإرادة العامة، بحيث تكون السيادة للشعب.


البنية الحجاجية لنص جون جاك روسو

إن جون جاك روسو في بنائه لهذا النص بشكل عام، اعتمد على أسلوب العرض والتفسير، بحيث لجأ إلى عرض وتفسير موقفه حول أهمية الخروج من حالة الطبيعة نحو الحالة المدنية، وتفسير أهمية العيش داخل المجتمع أو الدولة، وذلك ما نجد بارزا من خلال أفكار النص جملة وتفصيلا، وفي سياق تفسيره لموقفه حول مزايا الانتقال إلى الحالة المدنية، اعتمد أسلوب المقارنة بين ما يتميز به الانسان في حالة الطبيعة وما يتميز به في الحالة المدينة.


تحليل شامل لنص ابن خلدون ص 47

يعود هذا النص (اقرأ النص من هنا) إلى صاحبه عبد الرحمان بن خلدون وهو مؤرخ ومفكر وعالم اجتماع عربي مسلم، ورجل دولة وسياسة، ولد سنة (732هـ/1332م) وتوفي سنة (808هـ/1406م)، اهتم بوضع أسس ومناهج علم التاريخ من أبرز مؤلفاته: كتاب "العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاشره من ذوي السلطان الأكبر" وهو الكتاب الذي يضم مقدمته الشهيرة "مقدمة ابن خلدون".


أطروحة ابن خلدون حول اساس المجتمع

إن الاجتماع البشري ضروري للنوع البشري، ويكون الاجتماع بالفطرة والطبيعة، فلا يمكن أن يحقق الإنسان حاجياته من أمن وغذاء، إلا بالعيش داخل مجتمع تربط بين أفراده علاقات تعاون وتآزر، كما أن للإجتماع البشري أساس ديني، فهو يرتبط بمبدأ الاستخلاف من أجل عمارة الأرض، من هنا مفهوم العمران البشري.


شرح أفكار وحجاج نص ابن خلدون

من أجل اقناعنا بأطروحته لجأ ابن خلدون إلى مجموعة من الأساليب والأفكار التي شكلت الهيكل الاستدلالي لهذا النص، من أبرزها أسلوب الاستشهاد بعبارة  "الإنسان مدني بالطبع" للفيلسوف اليوناني المرموق أرسطو، والتي تدل على أن ماهية الانسان لا تكتمل إلا من خلال الاجتماع، ولا تتحقق طبيعته إلا بذلك، فعيش الانسان مع أبناء جلدته وأفراد نوعه داخل المجتمع هو أمر مقدر عليه، ذلك ما يوضحه ابن خلدون، بحيث يرى أن الانسان خلق على صورة لا يمكن يستمر من خلالها في الوجود إلا بالغذاء، لذلك منحه الله قدرة الحصول عليه، لكنه في نظره عاجز بمفرده على تحقيق ذلك، وهنا لجأ ابن خلدون إلى أسلوب المثال (مثال الحنطة)، ليبين عجز الإنسان بمفرده على تحقيق الغذاء بل هو هو في حاجة إلى التعاون من باقي أفراد جنسه، كل ذلك يرتبط بالمظهر الاقتصادي لمتطلبات الانسان، لكنه ليس هو المظهر الوحيد الذي يدفع إلى ضرورة الاجتماع.

إضافة إلى المظهر الاقتصادي هناك المظهر الدفاعي الذي بدوره يدفع الأفراد إلى الاجتماع البشري، ولتوضيح ذلك يلجأ ابن خلدون إلى أسلوب المثال من جديد، فالانسان في نظر صاحب النص هو الكائن الأضعف داخل نظام الطبيعة، فالقدرة التي يتمتع بها الحيونات (الفرس، الفيل، الحمار،الأسد ... ) أكبر من قدرة الانسان، ومن طبيعة الحيوان أنه كائن عدواني، لذلك منح الله لكل حيوان عضوا للدفاع به عن نفسه، في حين أن ما يملكه الانسان هو اليد والفكر، هذان العنصران وسيلتان لدى الانسان لصناعة الأسلحة (الرماح) من أجل الدفاع عن نفسه، لكن هذا كذلك لا يتحقق إلا بالتعاون وتضافر جهود أفراد المجتمع الواحد.


مناقشة تصوري ابن خلدون وجون جاك روسو

إن ما جاء به ابن خلدون حول أساس الاجتماع البشري، له قيمته التاريخية والفكرية، إن تصور ابن خلدون لموضوع الاجتماع البشري أو ما يسميه بعلم العمران، هو تصور أقرب إلى الشمولية، فحتى مناهج البحث المستخدمة في هذا الموضوع، هي مناهج ذات أسس موضوعية، إن ما توصل إليه ابن خلدون في هذا العلم يعكس الواقع الذي عاش فيه، وبذلك يمكن التأكيد على أنه هو المؤسس الحقيقي لعلم الاجتماع، بمعنى أنه سابق على أوجست كونط (1798م،1857م) في ذلك.


الفارابي وأساس المجتمع

إضافة إلى ما سبق، فإن فكرة الأساس الطبيعي الفطري للمجتمع التي يؤكد عليها ابن خلدون، لها حضور قوي عند العديد من الفلاسفة المسلمين، من قبيل أبو نصر الفارابي (872م،950م)، من خلال كتابه "أراء أهل المدينة الفاضلة"، حيث يؤكد هذا الأخير على أهمية الاجتماع البشري ودوره في تحقيق سعادة الانسان الحقيقية، لأن سعادة الفرد في نظره مشروطة بسعادة المدينة/المجتمع، لكن لابد من أن يكون الاجتماع قائما على التعاون على الأمور التي تؤدي إلى سعادة المدينة/المجتمع.


طوماس هوبس وأساس الاجتماع البشري

عكس ما جاء به أرسطو والفلاسفة المسلمين، فإن طوماس هوبس (1588م،1679م) من خلال كتابه التنين Le Léviathan، يؤكد على أن الاجتماع البشري هو نتاج تعاقد إرادي، بمعنى أنه يتحقق بفعل التعاقد الاجتماعي، إن الانسان حسب طوماس هوبس كان في حالة الطبيعة يتمتع بحرية مطلقة، وبما أن الانسان شرير بالطبع، فقد ساد في هذه الحالة الجشع والتنافس حول الملكية وبالتالي القوي يأكل الضعيف، من هنا سادت حرب الكل ضد الكل، ومن المعلوم أن كل شيء مباح في الحرب، أصبح الانسان ذئب لأخيه الانسان.

لا سبيل لخروج الأفراد من حالة الحرب والتطاحن والعنف الطبيعي التي يعيشها هنا، إلا باللجوء إلى التعاقد الارادي بين الأفراد، والتنازل عن حريتهم المطلقة والتخلي عن أهوائهم الطبيعية لصالح السلطة القانونية التي هي نتاج إراداتهم الخاصة.


جون لوك والانتقال إلى حالة المجتمع

يرفض جون لوك فكرة الفوضى والصراع والحرب التي قال بها هوبس حول حالة الطبيعة، فهو يرى أن الانسان خير بطبعه، وبالتالي لا يمكن للأفراد أن يعتدوا على بعضهم البعض، وهكذا، فقد كانت حالة الطبيعة في نظر جون لوك حالة أمن وهدوء وسلام وطمأنينة، لكن الذي جعل الانسان يفكر في مغادرة هذه الحالة نحو الحالة المدنية، هو غياب قانون قائم وثابت يحتكم إليه الجميع، وغياب قاض يحكم في النزاعات والخلافات بين الأفراد، ذلك ما دفع الأفراد إلى التعاقد من أجل إقامة سلطة تحكمهم، وهذا يقتضي تنازلهم عن جزء من حقوقهم للحاكم، ومادام الحاكم طرف في العقد فهو مقيد بتلك القوانين، ومهمة الحاكم هو تنفيذ القانون والحفاظ على حقوق الأفراد وتحقيق العدالة.


تلخيص لأساس الاجتماع البشري

يتبين مما سبق أن هناك دور هام للطبيعة في تأسيس المجتمع، لأن تركيبة الانسان البيولوجية تجعله في أمس الحاجة إلى التعاون مع بني جنسه لتحقيق حاجاته التي تضمن استمرارية وجوده في الحياة، لكن هذا لا يعني أن الاجتماع البشري مثله مثل الاجتماع الحيواني المؤسس على الفطرة والغريزة، فقد يبدو أن هناك تشابه بين المجتمع الانساني والمجتمع الحيواني، فحتى الحيوانات تعيش حياة منتظمة تتعاون لمواجهة الأخطار التي تهدد حياتها، وهي صفات يتصف بها المجتمع الانساني كذلك، إلا أن تأسيس المجتمع الانساني لا يقف عند حدود الغريزة والفطرة، وإنما يتدخل العقل والارادة الانسانية لوضع تعاقدات قد تختلف من مجتمع لآخر، مما يعني أن التنظيم الاجتماعي الانساني متغير باستمرار، عكس التنظيم الحيواني الذي يتسم بالثبات.

لكن بالرغم من أن الارادة والعقل هما أساس بناء المجتمع الانساني، فهو لا يخلو من استغلال واستبداد وهيمنة البعض على البعض الآخر، مما يعني أن السلوك الانساني لا يخلو من بعض السلوكات الحيوانية، فرغم احتكام التجمعات الانسانية للعقل، فهي لم تتمكن من التخلص من سيادة الغريزة والأهواء على سلوكها، فيكون حضور العقل مجرد تبرير لهيمنة السلوكات اللاعقلية، من قبيل العنف الاستبداد الظلم الاستغلال وغيرها.

اقرأ المزيد



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-