الدولة بين الحق والعنف: منهجية جاهزة لتحليل قولة فلسفية

الدولة بين الحق والعنف: منهجية جاهزة لتحليل قولة فلسفية

الدولة بين الحق والعنف: منهجية جاهزة لتحليل قولة فلسفية

محور الدولة بين الحق والعنف من مفهوم الدولة مجزوءة السياسة مقدمات جاهزة للمجزوءة ومنهجية جاهزة لتحليل قولة فلسفية
الدولة بين الحق والعنف




يمثل هذا الموضوع حلا لنموذج امتحان وطني حول محور الدولة بين الحق والعنف، وذلك وفق منهجية جاهزة لتحليل قولة فلسفية، والموضوع كما هو معلوم يندرج ضمن مجزوءة السياسة، وهو من ضمن مواضيع الامتحانات الوطنية لسنة 2011 الدورة العادية، وهو امتحان يخص تلاميذ شعبة الآداب والعلوم الانسانية: مسلك الآداب، وفيما يخص مضمون القولة هو كالآتي: "لم يستطع أحد أن يستمر طويلا في الحكم عن طريق العنف"، وضح مضمون القولة وبين أبعادها، وفيما يأتي سنقدم نموذجا كتحليل لهذه القولة.

محتويات الموضوع

  1. الدولة بين الحق والعنف: منهجية جاهزة لتحليل قولة فلسفية.
  2. مقدمة جاهزة لمحور الدولة بين الحق والعنف.
  3. تحليل مفاهيم وحجاج اطروحة القولة.
  4. قيمة وحدود أطروحة القولة الفلسفية.
  5. ملخص للدولة بين الحق والعنف (تركيب).

مقدمة جاهزة لمحور الدولة بين الحق والعنف

يمثل المجال السياسي مجالا لتدبير الشؤون العامة للمجتمع عبر مؤسسات الدولة، وولكي تحقق الدولة غايتها تلجأ إلى مجموعة من الآليات التي تمثل مظاهرا لسلطتها السياسية، ويمثل العنف من مظاهر سلطة الدولة، وهي آلية من الآليات التي تحتكرها ولا تسمح لأحد غيرها باستعمالها، إلا أن الشعب يرفض ممارسة الدولة للعنف، لأنه يحد من حرياتهم واطمئنانهم، مما قد يدفع إلى التمرد على الدولة من طرفهم، وهذا ما يجعل بقاء السلطة الحاكمة واستمراريتها في الحكم موضع شك وتساؤل، وبالتالي هل ممارسة الدولة للعنف سيسمح باستمرارية الحاكم؟ وهل يمكن إضفاء الشرعية على العنف الذي تمارسه الدولة؟ أم نه لا يمكن تبرير العنف في أي وضع من الأوضاع؟.


تحليل مفاهيم وحجاج اطروحة القولة

إن السياسة هي فن أو علم تدبير شؤون الأفراد داخل المجتمع، فهو الفن الذي يستمد منه الحاكم قدرته على القيادة والتدبير والسلطان...، وبالتالي يتمكن من تحقيق غايته الأسمى كسياسي وهي الحكم، في حين يمثل العنف تجليا للنزعة العدوانية في الانسان، وذلك على شكل أفعال موجهة اتجاه الغير تتميز بالإفراط في استعمال القوة، والعنف إما مادي أو رمزي، جماعي او فردي...، وهكذا فالعلاقة بين الحكم والعنف هي علاقة حميمية، ذلك ما نستشفه من تاريخ العديد من الدول التي كانت تعتبر العنف وسيلة عادية لممارسة السلطة.

شاهد أيضا


 إن تاريخ أية دولة كيفما كانت، إلا وقد لعب العنف دورا هاما وفعالا في صناعته، فحتى الدولة المعاصرة ارتبطت بالعنف ارتباطا وجدانيا، وتنظر له باعتباره السبيل لاستمرارية سلطتها، ذلك ما عبر عنه لويس ألتوسير بكون الدولة تقوم على مجموعتين من الأجهزة، منها الايديولوجية والتي تتمثل في الجهاز الاعلامي والديني والسياسي والمدرسي وغيرها، ومنها القمعية، وهي المتمثلة في الادارة والحكومة والمحاكم والشرطة والجيش، والسجون وغيرها.

إن سلطة الدولة ليست سلطة خالدة ولا دائمة، فالتاريخ يشهد بعدم وجود حكام استمروا في الحكم طويلا عند استنادهم على العنف، خاصة عندما يكون العنف موجها نحو المواطنين بغرض إخضاعهم للهيمنة والقوة والتسلط، وهذا ما يكشف عنه واقع الدول العربية، التي تفتقد لعنصري الشرعية والإجماع، في نظر المفكر المغربي عبد الله العروي، فهي لا تعبر عن مجتمع سياسي، وبالتالي فعنفها يفتقر للمشروعية، بل هو تعبير عن التسلط والاستبداد، وبالتالي غياب الديمقراطية والعدل...، وبذلك ينفصل الحاكم ومعه الدولة عن أخلاق المجتمع وقيمه، ومادام الأمر كذلك، فإن هذا النموذج من الحكم المستبد لم يكن مقبولا من طرف الرعية وبالتالي التمرد عليها من أجل اسقاطها، ولنا في ثورات الربيع العربي 2011 خير مثال على ذلك.

وفي نفس السياق انتقد الفرنسي ألان توران السلطة السياسية للحكم، ففي نظره عندما دخلت الديمقراطية في صراع مع السلطة المطلقة، فهي في واقع الأمر كانت تصارع الفردانية المفرطة والحزب الكلياني والاستبداد العسكري، من أجل خلق شروط سياسية تسمح بالممارسة الحرة للقوى الاجتماعية الفاعلة، وذلك استنادا إلى ثلاث مبادئ رئيسية وهي: احترام الحقوق المعترف بها، ثم الوعي بالمواطنة، كما أن القادة السياسيين لا يملكون سوى صفة التمثيل الاجتماعي، هذا هو ما سيسمح بتجاوز العنف في الممارسة السياسية.

إن دواخل العنف وجوهره يحمل منطقا خطيرا مهددا للوجود الانساني في نظر الفيلسوفة حنا أرندت، وبالتالي، حتو لو كان مبررا أحيانا معينة، فلا يمكن أن يتمتع بالشرعية، فعندما تشعر مؤسسات السلطة السياسية بالتهديد، تلجأ إلى خلق تبريرات لعنف الممارس، لكن تلك التبريرات لا تعني أنه عنفا مشروعا، فمن الممكن أن يبرر القانون ممارسة الدولة للعنف، لكنه لا يمكن أن يضفي عليه الشرعية الأخلاقية، لأن حقوق الانسان وكرامته فوق كل اعتبار.

وفي نفس الاتجاه يسير إيريك فايل، الذي يرى أن العنف عائق أمام الخطاب الفلسفي مادام يتداخل مع الخطاب السياسي، وبذلك فالعنف بدون معنى، لأن الخطاب الفلسفي كخطاب عقلي ينبد العنف ويقصيه، ويراهن على إحلال اللاعنف في المجتمعات الانسانية، حتى لو كانت أحيانا خطاباتها تمثل دعوة للجوء إلى العنف المشروع الذي نبتغي منه خلق حالة اللاعنف.


قيمة وحدود أطروحة القولة الفلسفية

يتبين من خلال ما سبق أنه من الصعب إن لم نقل من المستحيل استمرارية السلطة السياسية التي تجعل من العنف سندا لها، حتى لو كان ذلك العنف يتسم بالمشروعية، ذلك ما يمنح لطروحة هذه القولة أهميتها وقيمتها البالغة، لكن ألا يمكن اعتبار قيام الدولة على الحق فس حاجة إلى اتصاف الحكم بالعدل واعتماده على عنف مشروع؟.

من الصعب جدا أن نحسم مع العنف ونتجاوزه بجميع أشكاله، خاصة أن هذا الأخير يتمتع بحماية قانونية يستمد منها شرعيته، فأصبح ضروريا لقيام الدولة واستمرارية ممارستها لسلطتها، هذا ما ينبه له ماكس فيبر، بحيث يرى أن بأن هناك علاقة وطيدة وحميمية بين الدولة الحديثة والعنف، فلها الحق وحدها في ممارسة العنف المشروع، باعتباره لا يتعارض مع كونها كيانا سياسيا وقانونيا وعقلانيا، فمن خلال العنف تضمن الدولة الحديثة الأمن والاستقرار للمواطنين وجل حقوقهم، فالتعاقدات التي تمت داخل الدولة بين الحاكم والرعية، كانت على  أساس تنازل الأفراد للدولة على حق ممارسة العنف.

وعلى نفس المنوال يسير جوليان فروند، بحيث يرى أن السياسة هي نشاط الهيمنة والسيطرة والاحتكار فوق رقعة أرضية محددة، مع امتلاك فرصة استعمال القوة وممارسة العنف عند الاقتضاء، من أجل حفظ النظام الداخلي ودفع المخاطر الخارجية عن المجتمع، فالقوة والعنف هو وسيلة للممارسة السياسية عند الاقتضاء.

إن هذين التصورين (ماكس فيبر وجوليان فروند) يمثلان امتدادا للتصور الذي أسسه نيكولاس ميكيافيلي في عصر النهضة، والذي يرى بأن هناك تباعد مطلق بين الدولة والأخلاق والفضائل، لأن غايتها هو ممارسة السلطة وفق مبدأ الواقع، فالسياسة من وجهة نظره هي مجال للصراع، وبالتالي على الأمير (الحاكم) أن يزاوج بين القانون والقوة في ممارسته للسلطة، لأن المواطنين ليسوا أخيارا وإنما هم أشرارا ومخادعين، وبالتالي لا ينبغي أن يمثل القانون عائقا أمام اللجوء إلى القوة والعنف عند الضرورة (تهديد الحكم).

لكن يمكن القول بأن الدولة هي نتاج الصراع بين طبقتين وهي الطبقة البورجوازية والطبقة البروليتارية، هذا ما أبرزه التحليل الماركسي مع فريدريك انجلز، وبالتالي فالقوانين من وجهة انجلز وماركس هي وسيلة لممارسة العنف من طرف الطبقة المسيطرة اقتصاديا على طبقة العمال، وبالتالي فالقوانين التي يتم إصدارها إنما هي قوانين تخدم مصالح الطبقة المسيطرة، وتضفي الشرعية على العنف الممارس من طرفها على باقي الطبقات، فحقيقة الدولة تكمن في العنف، وبالتالي فغايتها ليست القضاء عليه وإنما منحه الشرعية من خلال القوانين التي تمثل تعبيرا عن العنف الاقتصادي.


ملخص للدولة بين الحق والعنف (تركيب)

وأخيرا، يمكننا القول أن استعمال الدولة للعنف، هو أمر مقبول من طرف العديد من الفلاسفة والمفكرين، ذلك لأن عنف الدولة عنف مشروع، ذلك لأنه حتى دولة الحق والقانون قد تكون في أمس الحاجة أحيانا إلى استعمال العنف، كما أن فئة أخرى ترفض أن تقوم الدولة عن العنف حتى لو كان عنف مبررا أحيانا، لكن المهم في هذا هو أن الدولة بمؤسساتها لها أهميتها بالنسبة للفرد، لكن من الأفضل أن تحاول الدولة على الاستمرار بناء على إقرار الحق وتنظيم المجتمع والتخلي عن استعمال القوة، لأن ممارسة العنف من شأنه أن يسقطنا في القمع والاستبداد السياسي، وهذا سيفقد الدولة شرعيتها، فتصبح حينها دولة هشة مهددة بالانقراض في أية لحظة.

اقرأ المزيد


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-