العلاقة مع الغير: أحسن المنهجيات الجاهزة لتحليل السؤال الفلسفي
![]() |
العلاقة مع الغير |
إننا نسعى من خلال هذا المقال إلى تقديم موضوع تطبيقي جاهزز كأفضل منهجية لتحليل سؤال فلسفي إشكالي مفتوح حول قضية العلاقة مع الغير، وتمثل هذه القضية المحور الثالث من موضوع أو مفهوم الغير، ضمن مجزوءة الوضع البشري، وتجدر الإشارة هنا كذلك، إلى كون أن هذه القضية تخص جميع تلاميذ السنة الثانية بكالوريا سواء تلاميذ الشعب التقنية والعلمية والمهنية والأصيلة أو شعب العلوم الإنسانية والآداب، لأن موضوع الغير هو موضوع مشترك بين هذه الشعب والتخصصات، والسؤال الفلسفي الإشكالي الذي سنشتغل عليه في هذا المقال هو الآتي: هل الصداقة هي الوجه الوحيد للعلاقة مع الغير؟ وللإشارة أن هذا السؤال كان ضمن الامتحان الوطني للبكالوريا الدورة الاستدراكية لسنة 2017، كل مسالك الشعب العلمية والتقنية والأصيلة، وفيما يأتي سنحاول تحليل هذا السؤال وفق الخطوات المنهجية التي تنص عليها الأطر المرجعية للامتحان الوطني الموحد في مادة الفلسفة.
محتويات الموضوع
- العلاقة مع الغير: أحسن المنهجيات الجاهزة لتحليل السؤال الفلسفي.
- أحسن مقدمة جاهزة لمحور العلاقة مع الغير.
- مرحلة التحليل في منهجية السؤال الفلسفي.
- مرحلة المناقشة في منهجية السؤال الفلسفي.
- موقف فريدريك هيجل والكسندر كوجيف حول قضية العلاقة مع الغير.
- عملية التركيب في السؤال الفلسفي.
أحسن مقدمة جاهزة لمحور العلاقة مع الغير
كما هو معلوم أن تحليل السؤال الفلسفي، له مراحل محددة أولها المقدمة أو مرحلة الفهم، وهنا سنحاول أن نقدم أفضل وأحسن مقدمة جاهزة لمحور العلاقة مع الغير، بمعنى أنها تصلح لجميع مواضيع الامتحانات التي تتحدث عن العلاقة مع الغير، سواء كان هذا الإمتحان عبارة عن قولة فلسفية أو سؤال فلسفي أو نص فلسفي، فهي مقدمة جاهزة صالحة لكل هذه الصيغ والنماذج من الامتحانات، وبالتالي فقط يكفي أنك تحدد ما إذا كان موضوع الامتحان يتحدث عن العلاقة مع الغير وبعدها مباشرة يمكنك كتابة هذه المقدمة كما هي، مع إمكانية التعديل عليها طبعا إذا كان الأمر يقتضي ذلك، لكن لا أقصد من هذا التشجيع على الغش أو شيء من هذا القبيل، بل فقط أقدم لكم أشياء مساعدة لكم، ولكتابة المقدمة هناك خطوات محددة أهمها القضية والمفارقة والإشكالات، وفيما يأتي مضمون هذه المقدمة الجاهزة حول العلاقة مع الغير.
لطالما كان الإنسان ذلك الكائن الراغب، بمعنى أن الرغبة جزء من ماهيته، ودائما ما يسعى هذا الإنسان باستمرار إلى إشباع هذه الرغبة، ومادام كونه كائن أناني يعطي دائما الأولوية لرغباته وغرائزه وحاجاته على مصلحة الغير مبتغيا من وراء ذلك تحقيق السعادة، فإن ذلك قد تولد عنه صراع مع الطرف الآخر، خاصة عندما يكون موضوع إشباع رغبة الأنا والغير واحد، هذا الصراع هو الذي كان ولازال يطبع تاريخ البشرية، فهو تاريخ مليء بالنزاعات والصراعات بين الأنا والغير، لهذا فكر الفلاسفة والمفكرين في إجاد حلول تخرجه من هذه الصراعات نحو وضع أكثر تنظيما وسعادة، فوجدوا في القوانين التنظيمية كمحاولة سياسية سبيلا لذلك، لكن رغم وجود القوانين ظل الصراع قائما بين أفراد المجتمع، مما يعني أن الفرد لا يستجيب للأوامر الخارجية، لهذا فكر الفلاسفة من جديد في حل بديل، فوجدوا في الأخلاق سبيلا للتنظيم وتجاوز الصراع، فوضعوا مجموعة من القيم الأخلاقية التي تعبر عن أوامر داخلية توجه سلوك الإنسان وقراراته، لكن بالرغم من هذا ظل الصراع قائما، وهو ما يبرر فشل محاولات تجاوز الصراع القائم بين الأنا والغير عبر تاريخ البشرية، وهذا ما يعطي المشروعية لإكالية العلاقة مع الغير، وبالتالي: ما هي أسمى علاقة ممكنة بين الأنا والغير؟ هل يمكن أن تمثل الصداقة سبيلا للخروج من الصراع؟ وأن تكون هي الوجه الوحيد للعلاقة مع الغير؟ أم أن العلاقة مع الغير لا تنفصل مطلقا عن الصراع؟.
شاهد أيضا
مرحلة التحليل في منهجية السؤال الفلسفي
قبل الإجابة عن هذه التساؤلات يجب في البداية تفكيك بنية هذا السؤال من خلال الوقوف عند أهم عناصره، والملاحظ أن بناء هذا السؤال تم بالإعتماد على أداة لإستفهام "هل"، وهي أداة ننتظر من خلالها الوقوف عند إجابتين، الأولى بالإيجاب والأخرى بالسلب (نعم، لا)، وعلاقة بالسؤال المطروح بين أيدينا فإن الإجابتين الممكنتين حوله، هو أن الصداقة تمثل الوجه الوحيد الممكن للعلاقة مع الغير، وهي الأطروحة المصرح بها في مضمون السؤال، لكن في مقابل هذا هناك أطروحة ثانية مضمرة مفادها أن العلاقة مع الغير لا يمكنها أن تنفصل عن الصراع، نظرا لمجموعة من المبررات المتعلقة بالذات البشرية.
يبدوا أن تحليل أداة الاستفهام ساعدنا على إدارك مرامي وأهداف هذا السؤال الإشكالي، وبالتالي لاستيعاب مضمون السؤال أكثر، يجب الوقوف عند أهم المفاهيم المركزية المؤتثة له، ونجد بأن بنيته المفاهيمية تتشكل من ثلاث مفاهيم مركزية وهي : الصداقة، العلاقة، والغير، فأما الصداقة فهي قيمة أخلاقية وسمة إنسانية واجتماعية تطبع العلاقة بين شخصين أو أكثر، تقوم على المودة والثقة والتعاون بين الأفراد،أما العلاقة فهي الرابطة التي تجمع بين فردين أو أكثر، قد تقوم هذه الرابطة على الدم أو العرق أو الثقافة أو المعتقد أو غيرها، وأخيرا، الغير هو الأنا الأخر الذي يشبهني في الصفات الإنسانية (الوعي، الحرية، الإرادة..)، ويختلف عني في العديد من الصفات الأخرى (البيولوجية، الثقافية، اللغة...)، وتوجد بين هذه المفاهيم علاقة ترابط وتكامل، على اعتبار أنه لا يمكن أن نتحدث عن الصداقة إلى في حالة وجود طرفين أو أكثر تجمع بينهم علاقة.
وهكذا، يمكن القول، بعد إزالة أداة الاستفهام هل، أن هذا السؤال يصرح بشكل غير مباشر بأطروحة تقر بأن العلاقة مع الغير تقوم على الصداقة، بل هذه الصداقة هي الوجه الوحيد والأساس لعلاقة الأنا بالغير، فكل فرد بطبيعته يميل وينزع نحو بناء علاقة مع الغير، وذلك يتم بشكل عفوي وتلقائي، ومادام هناك نزوع نحو الغير، فإن الصداقة هي الصيغة المناسبة التي تكون عليها هذه العلاقة، على اعتبار الصداقة تقدير للذات أولا ثم تقدير واحترام للآخرين، فالصداقة تكشف على ضرورة حضور الغير باستمرار في حياتنا اليومية، لكن لا يجب أن نغفل هنا بأنه ينبغي لهذه الصداقة أن تكون خالية من كل منفعة أو خدمة للمصلحة الذاتية، لأن ذلك من شأنه أن يعكر العلاقة بين الأنا والغير، بل قد يفقد هذه العلاقة قيمتها، فتضيع حينها الصداقة، وباختصار فالصداقة تمثل أساس العلاقة بين الأنا والغير.
مرحلة المناقشة في منهجية السؤال الفلسفي
إن لهذا التصور أهمية فلسفية وقيمة فكرية وتاريخية، تتجلى في كونها تمثل تزكية وامتدادا لمجموعة من التصورات الفلسفية، وفي نفس الوقت تمثل تجاوزا لتصورات فلسفية وفكرية أخرى، ولذلك من خلال تأكيدها على كون الصداقة تمثل الوجه الوحيد والأساس للعلاقة مع الغير، لأن الانسان لا يمكنه أن يحققه حاجاته وغاياته بمفرده، وهذا ما يدفعه إلى بناء علاقة مشتركة بينه وبين الآخرين، لكن لا يمكن أن تحقق الذات غاياتها من خلال هذا العلاقة إلا إذا كانت هناك ضوابط أخلاقية وقيمية تطبع تلك العلاقة، وتتجلى هذه الضوابط في الصداقة، فعندما نقول بأن الصديق في وقت الضيق، فإننا لا نعني من ذلك أن العلاقة تقوم على المصلحة، بل المصلحة هنا ليست غاية العلاقة وإنما هي مجرد نتيجة، وذلك ما نبه إليه الفيلسوف اليوناني أرسطو عندما ميز بين ثلاث أنواع من الصداقة، الأولى تقوم على المنفعة والثانية تقوم على المتعة، وهذان النوعان زائلان بزوال المتعة والمنفعة، أما النوع الثالث من الصداقة فهو صداقة الفضيلة وهي صداقة أخلاقية تتحقق فيها المتعة والمنفعة، لكن ليست هي الغاية بل هي مجرد نتيجة لعلاقة الصداقة التي تقوم على الفضيلة.
رغم أهمية هذه التصورات، إلا أنها لم تسلم من الانتقادات، وذلك لكونها أغفلت أن الإنسان يحركه شر لا يستطيع التخلص منه، وهو الأنانية، وذلك لأنه يعطي دائما الأولوية والأسبقية لرغباته وحاجاته على مصالح الآخرين، بل هذا الإشباع قد يكون على حساب حياة الآخرين، وهذا ما يبرر فكرة الإنسان الشرير، وبالتالي فصداقة ليست هي الوجه الوحيد للعلاقة مع الغير، وهو ما يكشف واقع العلاقات الإنسانية داخل المجتمع، فالمجتمع مليء بالصراعات والنزاعات، وهو ما يبرر أن الصراع وجه من أوجه العلاقة مع الغير، بل هو الوجه الأكثر حضورا، بل يمكن أن ندهب أبعد من ذلك، فقد تبدوا العلاقة بين طريفين قائمة على الصداقة، لكن في واقع الأمر هناك نوع من اللامبالاة التي نجدها بينهما، فليس بالضروري العلاقة مع الغير قائمة على الصدقة بل قد تكون بهدف تحقيق المصلحة الذاتية لا غير، وهذا السعي وراء المصلحة الذاتية هو العلة المباشرة للصراع بين الأنا والغير.
موقف الألماني هيجل والكسندر كوجيف حول قضية العلاقة مع الغير
إن الصراع هو الذي يحكم العلاقة مع الغير من وجهة نظر الفيلسوفين، فالكسندر كوجيف كتلميذ لهيجل، يوضح موقفه حول العلاقة بين الأفراد بالعودة إلى موقف هيجل، فمادامت الرغبة هي التي توجه سلوكات الأفراد وقراراتهم داخل المجتمع، فهي السبب وراء هذا الصراع الدائم، لكنه لا يتحدث عن الرغبة بصفة عامة وإنما يتحدث عن الرغبة في الاعتراف بالذات من طرف الغير، ولإشباع هذا النوع من الرغبات فهي في حاجة إلى الدخول في علاقة مع كائن واع وهو الغير الذي بدوره تحركه الرغبة في تحقيق الاعتراف، ومادام الأمر كذلك يحدث تصادم بينهما، فينشب الصراع، فالغير لا يعترف بالذات بشكل تلقائي ومجاني، وإنما ذلك يتحقق من خلال بذل مجهود كبير.
إن الواقع الذي نعيش فيه محكوم بنوع من التراتبية، بحيث دائما ما نجد غالب ومغلوب، وهو ما يلخصه المثل الشعبي: "إذا وجدت 2 متفاهمين اعلم أن الدرك (الضغط) على أحدهما"، وفي جدلية السيد والعبد أكبر توضيح من طرف هيجل لتلك العلاقة التراتبية، لأنه في البداية لم يكن العبد عبدا ولا السيد سيدا، فعلاقة الصراع هي التي قادتهم إلى ذلك، وبالتالي لا يستطيع السيد تصور نفسه سيدا في غياب العبد، لأنه هو مصدر إشباع رغبته في الشعور بالسيادة، وبذلك يصبح السيد سيدا والعبد عبدا.
عملية التركيب في السؤال الفلسفي
انطلاقا مما سبق، يتضح أن قضية علاقة الأنا بالآخر، هي قضية جد معقدة، ما ولد في تاريخ الفلسفة نوعا من التباين والاختلاف بين المواقف الفلسفية، حيث انقسمت إلى من يراها علاقة تقوم على الصدق والحب المتبادل، وإلى من يراها تقوم على التحكم والصراع، بسبب عدم قدرة الانسان على التخلص من رغبته في التحكم وأنانيته المفرطة، ومن وجهة نظرنا من الصعب تصور العلاقة بين الأفراد خارج فعل الصراع والتحكم، إلا بعدما يتمكن الانسان من توجيه سلوكاته وقراراته بالعقل وليس الرغبات، ذلك ما سيسمح له بمراعات المصلحة العامة بذل الخاصة، بهدف التطلع نحو مجتمع تقوم على التضحية ونكران الذات.
إن أهمية إشكال العلاقة مع الغير وقيمته أصبحت كبيرة في الوقت الراهن، لأن العالم أصبح مليئا بالحروب واعتماد أسلحة أكثر فتكا بالانسان، وهذا ما يثير العديد من التساؤلات من قبيل: كيف يمكن للإنسان التخلص من الصراعات والحروب التي يعيشها اليوم؟ وهل بإمكان الانسان بلوغ السعادة المنشودة بالرغم ما يعيشه من صراعات؟.
اقرأ المزيد