أفضل نموذج منهجية لتحليل نص فلسفي حول هوية الشخص
تحليل نص فلسفي |
يمثل هذا الموضوع أفضل نموذج منهجية لتحليل نص فلسفي حول هوية الشخص، وكما هو معلوم أن الشخص والهوية هو المحور الأول من مفهوم الشخص ضمن مجزوءة الوضع البشري، ضمن برنامج الفلسفة للسنة الثانية بكالوريا، ويمثل هذا العمل تعاونا بين مجموعة من التلاميذ في السنة الثانية بكالوريا، ولا يفوتني أن أذكركم بأن هذا التحليل هو تحليل للنص الموجود في الصورة، وهو نص كان ضمن أحد الامتحانات الوطنية الموحدة، كما يمكن الإشارة بأن هذا التحليل هو فقط للإستئناس، فلا أنصحكم بنسخه واعتماده كحل جاهز، ليس لأنه ليس صحيحا، بل أنا أدعوكم إلى الاجتهاد من أجل كسب مهارات الكتابة والتحليل والمناقشة، وبالتالي فأنا أنصحكم باتباع توجيهات المدرس في الكتابة والتمرن أكثر من أجل الحصول على نقطة جيدة في مادة الفلسفة.
محتويات الموضوع
- أفضل نموذج لتحليل نص فلسفي حول هوية الشخص.
- مقدمة جاهزة لقضية هوية الشخص.
- نموذج تحليل نص فلسفي.
- قيمة وحدود أطروحة النص.
- خلاصة ورأي شخصي ورهانات هوية الشخص.
مقدمة لقضية هوية الشخص
لطالما كان الحديث عن الشخص موضوع اهتمام الفلاسفة والمفكرين عبر التاريخ ويدخل هذا الموضوع ضمن الاهتمام الفلسفي لمجال الوضع البشري الذي يشير إلى مجموع الشروط والأبعاد التي تحدد الوجود الإنساني، ويثير هذا الموضوع عدة صعوبات وتعقيدات أهمها ما يتعلق بقضية هوية الشخص، بحيث يشعر الانسان بالعديد من التغيرات التي تطرأ على ذاته عبر جميع مراحل حياته، لكن بين طيات هذا التغير والتبدل نجده يشعر بالثبات والوحدة والتفرد وذلك ما يعبر عنه من خلال قوله "أنا" في كل ما يتعلق بذاته، بمعنى أنه يشعر بأنه هو نفسه عبر كل مراحل حياته، هذا ما يمنح التساؤلات التالية مشروعية، على أي أساس تقوم هوية الشخص؟ هل تقوم على أساس ثابت أم متغير؟ وهل يمكن اعتبار العقل أساسا ثابتا للهوية الشخصية؟ أليست هناك أسس أخرى للهوية الشخصية؟.
شاهد أيضا
نموذج تحليل نص فلسفي
جوابا عن الاشكالات أعلاه نجد صاحب النص يؤكد على أطروحة مفادها أن هوية الشخص تقوم على ما هو داخلي وغير مادي، وذلك في مقابل ما هو سائد بين العموم، كون المظاهر الجسدية هي التي تحدد هوية كل شخص، لكن من وجهة نظر صاحب النص فالهوية الشخصية تتأسس على العقل الذي يعتبر جوهر الذات الإنسانية والمحدد الجوهري للهوية، فبدونه لا يمكن أن يعي الشخص ذاته ووجوده، ولا يمكنه بلوغ الحقيقة، فالفكر هو الذي يضمن للأنا استمرارية مطابقتها لذاتها، لأنه هو الذي يظل ثابتا فيها رغم كل التغيرات التي ترافقها، ويتجلى هذا العقل عند الإنسان من خلال مجموعة من القدرات نذكر منها على سبيل المثال التفكير والتذكر، فإذا فقد الانسان عنصرا من العناصر المتعلقة بالفكر أو العقل فإنه سيفقد هويته دون شك.
اعتمد صاحب النص جملة من المفاهيم لبناء تصوره هذا، سنحاول أن نتوقف عند أبرزها، ولن نجد أبرز من مفهوم الشخص والذي يطلق على الفرد في بعده المادي من حيث هو مظهر وجسم، وفي بعده المعنوي من حيث هو ذات واعية مريدة وحرة، تتمتع بهوية خاصة بانبعة من أفكارها وأفعالها وإحساساتها، ثم مفهوم الهوية الذي يحيل على الخاصية الثابتة التي تجعل من الشيء هو هو، بمعنى الخاصية التي تجعل من الشيء مطابقا لذاته ومختلفا عن غيره، وبذلك تكون الهوية هي مبدأ وحدة واختلاف، أما الذاكرة فهي ملكة تعمل على تخزين التجارب التي عاشتها الذات في الماضي، وهي من بين القدرات ىالعقلية التي تتميز بها الذات، بحيث عبر الذاكرة تتمكن الذات من إحياء حالة شعورية من الماضي خاصة بها، أما التفكير فهو مجموع العمليات الذهنية التي يقوم بها العقل البشري، ولعل العلاقة التي تجمع بين هذه المفاهيم هي علاقة تكامل وترابط وانسجام، لأن التفكير والذاكرة خاصيتان لا يتوفر عليهما سوى الكائن البشري، وهما ما يميزانه عن باقي الكائنات الآخرى، بل هما أساس هويته.
للدفاع عن أطروحته وظف صاحب النص جملة من الأساليب الحجاجية واللغوية التي شكلت الهيكل الإستدلالي لأطروحته،تمثلت في أسلوب المثال عندما تحدث عن هناء وعن مظاهرها الجسمانية المتغيرة، والغرض من هذا المثال هو توضيح فكرة أن المظاهر الجسمانية لا يمكن أن تمثل أساسا ثابتا للهوية الشخصية، وذلك لأنها تتغير باستمرار، ثم لجأ لإلى أسلوب الدحض بحيث يدحض الفكرة السائدة كون المظاهر الجسمانية الخارجية المادية أساسا للهوية الشخصية، ثم استعان بأسلوب المقارنة، بحيث عمل على المقارنة بين التغيرات الجسمية ومدى تأثيرها على الهوية، والتغيرات العقلية الفكرية التي يرافقها تغير على مستوى الهوية، وهكذا فالتغيرات الجسمية المادية لا تمثل أساسا للهوية الشخصية بل ما هو عقلي هو أساس ثابت للهوية الشخصية.
قيمة وحدود أطروحة النص.
وهكذا، يمكن القول أن لهذه الأطروحة قيمتها في معالجتها لقضية هوية الشخص، ويمكن إبراز قيمتها انطلاقا من أهميتها التاريخية، فقد مثلت هذه الأطروحة امتدادا وتزكية لمجموعة من التصورات الفلسفية، وفي نفس الوقت مثلت تجاوزا لتصورات فلسفية أخرى، وذلك من خلال نفيها للفكرة التي تجعل من المظاهر الجسمية المادية أساسا للهوية الشخصية، وتأكيدها على كون هوية الشخص تقوم على العقل كأساس ثابت للهوية الشخصية، وفي نفس السياق نجد الفرنسي رونيه ديكارت يؤكد على أن إدراك الحقيقة ينر عبر الشك في كل شيء، ومادام الشك هو عملية تفكير فهو بذلك ذات مفكر، وهكذا يخلص إلى الكوجيطو "أنا أفكر إذن أنا موجود"، وهكذا يصبح التفكير أساس الوجود، بمعنى التفكير هو أساس ثابت لهوية الشخص، فمتى انقطع الانسان عن التفكير انقطع عن الوجود، فهذا العقل في نظره يولد وهو مزود بأفكار فطرية، هو الأمر الذي لا يقبل به جون لوك.
جون لوك يرى بأن العقل الانساني يولد صفحة بيضاء لكن من خلال التجارب التي يعيشها الفرد في جميع مراحل حياته يصبح هذا العقل مزودا بمجموعة من الأفكار، هذه الأفكار كانت في البداية مجرد انطباعات حسية مشوهة عمل الشعور على تنظيمها فأصبحت أفكارا مخزنة في العقل، هذه الأفكار التي يسترجها الشخص عند الضرورة، ولكي يسترجعا فهو في حاجة إلى القدرة على التذكر، وبالتالي فهو يرى بأن الذاكرة هي التي تجعل من الشخص واحدا في كل مراحل حياته، لذلك يرى جون لوك أن الشعور والذاكرة يمثلان أساسا للهوية الشخصية، والذاكرة هي التي تحافظ على استمرارية الذات في الزمان والمكان.
لكن بالرغم من الأهمية الفلسفية والفكرية والتاريخية لهذه التصورات، إلا أنها لم تتمكن من إعطاء صورة شاملة حول هوية الشخص، وبالتالي كانت عرضة لمجموعة من الانتقادات، فقد أغفلت هذه التصورات أن هناك إمكانية لفقدان الذاكرة وهذا لا يعني أن الإنسان سيفقد هويته، بل هناك إمكانية حدوث خلل في عملية الإدراك، وبالتالي يمكن بناء هوية مشوهة للذات، ثم إن هذا العقل ليس هو العنصر الوحيد الذي يقود الذات ويحددها، بل هناك عناصر أخرى قد تجعل من العقل أحيانا مجرد خادم لها، وفي هذا السياق يأتي الألماني آرثر شوبنهاور الذي يرى بأن الهوية تقوم على إرادة الحياة.
إن إرادة الحياة من وجهة نظر شوبنهاور هي الأساس الثابت للهوية الشخصية، وهي عبارة الرغبة في البقاء على قيد الحياة، هذه الرغبة التي نجدها عند كل فرد وفي كل مرحلة في مراحل حياته، الرغبة في الحياة حاضرة لذى الطفل الرضيع عندما يبكي ليستدعي أمه من أجل أن تمنحه الطعام أو توفر له الأمن والإطمئنان، وهي نفسها الرغبة التب نجده عنده عند يصبح عجوزا يتألم من كثرة الأزمات الصحية والمادية ...، لكنه مع ذلك تجده متشبثا بالحياة، لذلك يرى شوبنهاور بأن الانسان يعيش وفق قاعدتين متناقضتين، الأولى وهي أنه يعيش مآسي وأحزان باستمرار، لكنه في نفس الوقت لا يستطيع وضع حد لحياته، لذلك يعتبر إرادة الحياة هي أساس هوية الشخص.
أما سيغموند فرويد فهو يربط الهوية الشخصية بالصراع النفسي الذي تعيشه كل ذات، فالجهاز النفسي للإنسان بالنسبة لفرويد يتكل من ثلاث عناصر، الأول هو الهو وهو موطن الرغبات والأهواء والشهوات، ثم الأنا الأعلى وهو انعكاس لمجموع القيم والمبادئ والمثل التى تحكم الواقع، ثم الأنا الذي يمثل الجانب الواعي في الانسان، والذي يتحمل مسؤولية تحقيق التوازن في الصراع القائم بين الأنا الأعلى والهو، وبالتالي فالشخص هو حصيلة هذا الصراع الذي تعيشه الذات، وهو صرواع يتم بطريقة لاشعورية بين مكونات الجهاز النفسي، وهكذا فذلك الصراع النفسي هو أساس الهوية الشخصية من وجهة نظره.
أما رالف لينتون فهو يربط الهوية الشخصية بالتنشئة الاجتماعية، التي تعمل على ترسيخ العادات والتقاليد والقيم التي تحكم الجماعة التي تنتمي إليها الذات، وهذه القيم والمبادئ تختلف من مجتمع لآخر، مما يعني أنها تتسم بالتنوع والاختلاف، أما جون لاشوليي فهو يرى أن أساس هوية الشخص هو وحدة الطبع والمزاج، فهويته هي تطابقه مع ذاته وتميزه عن غيره، فوحدة الشخص النفسية في الزمان هي أساس هويته.
خلاصة ورأي شخصي ورهانات هوية الشخص.
نخلص من خلال ما سبق أن مسألة هوية الشخص هي مسألة معقدة أفرزت مواقفا وأراء مختلفة أحيانا ومتباينة أحيانا أخرى، فمنها من يرى أن الهوية ثابتة تتحدد من خلال العقل ومنها من يرى أنها تتحدد انطلاقا من الإرادة ووحدة الطبع والمزاج أو من خلال الصراع النفسي، ونحن بدورنا نؤكد على أهمية هذا الاختلاف ونحترم المجهود المبدول في فك لغز هذه القضية وملابساتها، لكن في اعتقادنا أن الهوية، سواء الشخصية أو الجماعية، هي حمولة من الأبعاد والمحددات التي تشجل من الشخص هو نفسه، وبالتالي لا يمكن الحديث عن الهوية إلا بعد الأخذ بعين الاعتبار كل تلك المحددات السالفة الذكر، فالتداخل بينها هو الكفيل بإعطاء معنى للشخص وهويته، فالهوية هي التي تمثل أساس قيمة الشخص، وفي ظل هذه الصعوبة في إدراك العنصر الثابت في الشخص، سيجعل من الصعب منح الشخص قيمة مطلقة في ظل خصائصه المتغيرة، لأن القيمة المطلقة تستمد من خاصيته الثابتة، وهكذا، فمن أين يستمد الشخص قيمته المطلقة؟.
اقرأ المزيد