تصحيح استدراكية الامتحان الوطني 2022 في الفلسفة
![]() |
منهجية تحليل سؤال فلسفي |
إننا نسعى من خلال هذه المقالة إلى تقديم تصحيح للإمتحان الوطني الموحد في ماجة الفلسفة لسنة 2022 الدورة الاستدراكية الخاص بالشعب العلمية والتقنية والمهنية، وكما هو معلوم أن الامتحان الوطني الموحد لجميع الشعب والتخصصات في مادة الفلسفة، دائما ما تكون هناك ثلاث نماذج امتحانات اختيارية، الأول عبارة عن سؤال فلسفي مفتوح، والثاني عبارة عن قولة فلسفية مرفقة بسؤال أو مطلب، ثم النوذج الثالث يكون عبارة عن نص للتحليل والمناقشة، والتلميذ غير مطالب بالاجابة عن كل هذه النماذج وإنما عليه اختيار نموذج واحد والاشتغال عليه وفق طريقة الاشتغال التي تم التدرب عليها سابقا في القسم مع الأستاذ، ولكل موضوع من المواضع الثلاث طريقة ومنهجية للتحليل والمناقشة، وفيما سيأتي سنحاول الوقوف عند احدى المنهجيات.
منهجية ومراحل تحليل سؤال فلسفي مفتوح
إننا هنا سنعتمد عزيزي التلميذ عزيزتي التلميذة على منهجية تحليل سؤال فلسفي مفتوح ومناقشته، لأننا اختيارنا وقع على نموذج السؤال ضمن الاختيارات الثلاث التي جاءت في الامتحان الوطني الموحد للبكالوريا في الدورة الاستدراكية لسنة 2022، والسؤال الذي نحن بصدد الوقوف عنده هو: "هل تتعذر معرفة الغير معرفة موضوعية؟" ولتحليل هذا السؤال لابد من اعتماد منهجية تحليل السؤال ومناقشته وليست اية منهجية أخرى، ففي منهجية السؤال لابد في البداية من القيام بعملية التأطير لموضوع السؤال وكذلك الوقوف عند المفارقة التي تطرحها قضية هذا السؤال، وصياغة التساؤلات الأساسية، وهذا يمثل مرحلة الفهم أو المقدمة في كتابة موضوع فلسفي، أما مرحلة التحليل فهي تقتضي الوقوف أولا عند تحليل عناصر السؤال ثم الوقوف عند الأطروحة والمفاهيم والحجاج، وبعدها مناقشة الاطروحة المفترضة من خلال الوقوف عند قيمتها وحدودها، وبعد ذلك الخروج بتركيب للموضوع الذي هو عبارة عن خلاصة التي تكون فيه فرضة للتلميذ من أجل إبداء رأيه في الموضوع أو القضية المطروحة، وفيما يأتي النموذج التطبيقي لتحليل السؤال الفلسفي ومناقشته.
شاهد أيضا
- أفضل منهجية جاهزة لتحليل سؤال فلسفي العلاقة مع الغير.
- مقدمات جاهزة لمجزوءة المعرفة السؤال الفلسفي.
- العلاقة بين الفلسفة والعلم.
مرحلة الفهم (المقدمة)
لطالما احتل مفهوم الإنسان مكانة مرموقة في تاريخ الفكر الفلسفي، حيث هذا المفهوم لقي اهتماما كبيرا من طرف الفلاسفة عبر تاريخ الفلسفة، فقد انكبوا على دراسة وبحث الشروط والمحددات التي يوجد ضمنها الكائن البشري، ويتم ذلك ضمن مجال الوضع البشري، وهو المجال الذي يرتبط به السؤال الذي نحن بصدد مقاربته، حيث يتناول قضية معرفة الغير، فكما هو معلوم أن الأنا لا توجد بمفردها في هذا العالم، بل هي مشاركة للغير في الوجود، وغالبا ما نعتقد أننا نعرف الغير معرفة دقيقة وموضوعية، إلا أن ما يصدر عنه من قرارات مفاجئة، يدل على أن الأمر ليس كذلك، وهو ما دفع الفلاسفة إلى محاولة الاستعانة بمناهج العلوم الطبيعية بعد انبهارهم بنتائجها اليقينية والدقيقة، ومحاولة تطبيقها على الغير كذات، لكنها هذه الذات تتميز بالتركيب والتعقيد، وهذا ما يجعل معرفة الغير إشكالا فلسفيا معقدا، و يمكن صياغة تساؤلاته كما يلي : ما المقصود بالمعرفة؟ ما معنى الغير؟ هل معرفة الغير ممكنة كمعرفة موضوعية دقيقة؟ وهل بإمكان مناهج العلوم الطبيعية أن تساعدنا على تحصيل هذا النوع من المعرفة؟ أم أن تحقيق الدقة والموضوعية في معرفة الغير يبقى أمرا مستحيلا؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي العوائق التي قد تحول دون ذلك؟.
مرحلة التحليل
للإجابة على هذه التساؤلات فإنه من الضروري الوقوف عند بنية هذا السؤال وتفكيك عناصره، فكما هو ملاحظ أن صياغة هذا السؤال تمت باعتماد اداة الاستفهام هل وهي أداة يكون الغرض منها الوقوف عند إيجابتين تكون إحداهم بنعم والأخرى بلا، وعلاقة بالسؤال الماثل بين أيدينا فإنه يحتمل أطروحتين الأولى مضمرة تقر بأنه يمكن بناء معرفة موضوعية ودقيقة بالغير، أما الأطروحة الثانية فهي أن معرفة الغير كمعرفة موضوعية تبقى أمرا مستحيلا، وهي الأطروحة التي يصرح بها السؤال بشكل غير مباشر، وانطلاقا من ذلك يبدو أن تفكيك بنية السؤال ساعدنا على معرفة مراميه وأهدافه، وبالتالي لاستيعابه أكثر يجب الوقوف عند باقي المفاهيم التي شكلت هذا السؤال، والتي انطلاقا منها سنفهم أكثر الأطروحة المصرح بها بشكل غير مباشر في السؤال، فالمفهوم الأول هو مفهوم الغير وهو الأنا الآخر الذي يشبه الذات وفي نفس الوقت يختلف عنها، يشبهها في العديد من الخصائص الانسانية ويختلف عنها في العديد من الأمور البيولوجية والثقافية وغيرها، ثم مفهوم الموضوعية ومعناه الحالة أو الصفة التي يكون عليها الموجود كما هو في الواقع بكزنه موضوعا، أما المعرفة فهي نشاط عقلي تتمثل من خلاله الذات العارفة موضوع المعرفة، فالذات العارفة هنا هي ذات العالم أو الباحث التي تعمل على تمثل الغير وبناء صورة حوله باعتباره موضوعا للمعرفة، مما يعني انه لا يمكن الحديث عن معرفة للغير إلا في ظل وجود ذات عارفة تسعى إلى بناء معرفة دقيقة حوله.
لكن رغم وجود هذه الذات العارفة إلا أن هناك مجموعة من الحيثيات تتداخل لتجعل المعرفة الموضوعية بالغير أمرا متعذرا، منها كون الغير ذات مركبة من مظاهر خارجية تتمثل في الجسد، ومظاهر داخلية تتمثل في الأحاسيس والمشاعر، وما يظهر على ملامح الجسد لا يعكس كليا ما يشعر به الإنسان من الداخل، فحقيقة الانسان زئبقية لا يمكن القبض عليها بسهولة، لأن هذا الكائن قادر على أن يقدم من الصور والمشاهد ما يشاء لكن هذه الصور والمشاهد لا تعكس حقيقته الداخلية، فالممثل على خشبة المسرح قادر على أن يلعب أدوارا مختلفة ومتعددة ومتناقضة أحيانا، لكن ليس هناك أي دور من هذه الأدوار قد يعكس حقيقته، فالغير ليس كباقي المواضيع الطبيعية التي تمكن العلماء من بناء معرفة دقيقة وموضوعية حولها، فإذا كان الماء يتبخر عند 100 درجة، الدموع ليست دائما تعبيرا عن الحزن، وليس الفقر دائما سببا وراء الطلاق، فهذا هو الانسان متغير باستمرار، وبالتالي من الصعب بناء معرفة موضوعية حوله.
مرحلة المناقشة
إن لهذه الاطروحة قيمة فلسفية وأهمية فكرية تتجلى في كونها تمثل تزكية لمجموعة من التصورات الفلسفية وفي نفس الوقت تجاوزا لمجموعة من التصورات الفلسفية الأخرى، وذلك لكونها تقر بأن المعرفة الموضوعية بالغير أمر متعذر، وهي فكرة ناتجة عن الوعي بالطابع المعقد والمتغير بالنسبة للغير، وناتج كذلك عن الوعي بكون أن الآخر له من القدرة ما يمكنه من حجب حقيقته عن الذات العارفة، لذلك نجد غاستون بيرجي يؤكد على كون المعرفة بالغير تبقى أمرا مستحيلا، لأنه في اعتقاده أن الذات تعيش تجربة معزولة عن الآخرين، هذه التجربة تجعلها في قلعة خاصة بها، وبالتالي هناك جدار سميك بين الأنا والغير يجعل المعرفة الدقيقة أمرا مستحيلا، وفي نفس السياق نجد سارتر يرى أن معرفة حقيقة الغير أمر مستحيل لأن نظرة الذات اتجاه الغير تحوله إلى شيء وبالتالي يتصنع سلوكاته وأفعاله، وهكذا فما نعرفه عن الغير سوء ما شاء هو أن نعرفه، أما النفاذ إلى حقيقته وبناء معرفة موضوعية به فهو أمر مستحيل.
رغم الطابع الايجابي لهذه الأطروحة إلا أنها تعرضت لمجموعة من الانتقادات، وذلك لكونها أغفلت العديد من الأمور، من اهما النظرة الكلية للغير، بحيث لا يجب أن نميز في نظرتنا للغير بين جوانب داخلية وأخرى خارجية، وإنما ينبغي أن تكون نظرتنا إليه دفعة واحدة، على اعتبار أن ما يعيشه الفرد من الداخل ينعكس على الخارج، فلا يمكن للغير أن يتمكن من إخفاء احمرار الوجه الناتج عن الاحراج مثلا، هذا ما يؤكد عليه ماكس شيلر الذي يضيف إلى ذلك آلية التعاطف الوجداني التي تمثل وسيلة مساعدة على بناء المعرفة بالغير، وفي نفس السياق نجد ميرلوبونتي الذي يرى ان المعرفة الموضوعية بالغير ممكنة إذا توفرت ثلاث شروط أساسية وهي الانفتاح على الغير ثم التواصل الانساني معه ومبادلته الاعتراف ، بمعنى عند التواصل مع الغير لا ينبغي أن يكون تواصلا غير صادق، وهكذا يمكن بناء معرفة موضوعية بالغير انطلاقا من وجهة نظر هؤلاء.
مرحلة التركيب (الخاتمة)
يتبين مما سبق أن
إشكالية معرفة الغير هي إشكالية ذات طابع معقد، ذلك ما يبرره التباين والاختلاف
بين المواقف الفلسفية، فمنها من يرى أن معرفة الغير كمعرفة موضوعية تبقى أمرا
مستحيلا، ومنها من يرى أن هذا النوع من المعرفة ممكنا إذا توفرت شروطها، وفي
اعتقادي الشخصي أن المعرفة الغير كمعرفة
موضوعية هي أمر أقرب إلى الاستحالة منه إلى الامكان، لأن الانسان هو ذلك الكائن
المتغير باستمرار فقد يكون اليوم على مزاج معين وفي الغد على مزاج آخر مختلف كليا،
ثم أنه قادر على تلبس شخصيات وأدوار مختلفة، وهو ينتج عنه نوع من النصب والاحتيال،
وهذا ما يجعل مشكل المعرفة بالغير أمرا ملحا وراهنيا، خاصة في عصر التواصل عن طريق
الكتابة الواتساب الفيس التي من الصعب أن نرسل معها مشاعر وأحاسيس تمكن الأخر من
بناء معرفة دقيقة بذاتي، ثم الصور التي أصبحت تتعرض للعديد من التعديلات فهذا يجعل
من طرح إشكال المعرفة بالغير أمرا ضروريا، لأنه إذا تمكنا من بناء المعرفة الدقيقة
والموضوعية بالغير فإن ذلك قد يمكننا من التنبؤ بأفعاله وسلوكاته وبالتالي السمو
بالعلاقة مع الغير.
اقرأ المزيد